صحيح البخاري بين نقد الأسانيد ونقد المتن

5 minute read
0
تفاجئ البعض بتعرضي لموضوعات تتناول صحيح البخاري وقد أعماهم تعصبهم عن الوقوف على الاختلاف الحاصل منذ القديم حول نقد صحيح البخاري سندا ومتنا   
وقد أفزعني إلى ذلك التناول ما حكته لي إحدى السيدات الوقورات من الحفظة لكتاب الله المحفظين لغيرهم انه تم طردها من المسجد من قبل نساء , بسبب انتقادها طاعتهن العمياء , وانهن حذوروها من المجيء مرة اخرى للمسجد : اياكي تيجي هنا تاني !! 

تقولش غلطت في البخاري !! 

درجت العامة على استخدام مثل يقول (تقولش غلطت في البخاري , أو أكونش غلطت في البخاري) وذلك في المواقف التي يتعرض فيها الإنسان إلى هجوم عنيف لمجرد إظهار ولو اعتراض أو انتقاد بسيط.. 
حيث أن أي تناول نقدي لصحيح البخاري يقابل بهجوم عاصف حتى صارت مضرب المثل مع عدم تفرقتهم بين النقد وبين " الغلط " الذي يقصدونه وهو بمعنى الاساءة 
وإني أقر للامام الجليل البخاري بفضله وجلال قدره وأنه حقا صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله 
ولكن كما قال بعض العلماء " الامام الشافعي " : أبى الله أن يتم إلا كتابه 
من هذا المنطلق لم يستبعد المحدثين وقوع أخطاء في بعض الأسانيد أو في بعض ألفاظ الحديث 
وقد تناول المحدثين منذ القديم صحيح البخاري بالنقد مثل الدارقطني , والحاكم النيسابوري 
وابن حجر العسقلاني .. 
بل إن الإمام مسلم نفسه صاحب الصحيح لم يقبل أحاديث بأسانيد رواها البخاري وهو شيخه حيث كان مسلم تلميذا له !
ومن يقرأ فتح الباري لابن حجر العسقلاني يجد كثير من الأمثلة على ذلك

المحدث ناصر الإلباني وصحيح البخاري

يقول الإمام المحدث ناصر الدين الالباني: في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما ، فينكشف لي أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة! لكن من كان في ريب مما أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى " فتح الباري" فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني " 
 من " فتاوى الشيخ الألباني " (ص/526) جمع عكاشة الطيبي
البخاري والالباني

نقد متون الأحاديث في صحيح البخاري 

وإذا كان السابقين من أهل العلم في مجال الحديث سارعوا بلغوا ذروة العناية بالإسناد وتحقيقه وصارت شروطه معروفة ويتم تطبيقها بحرفية شديدة منها على كتاب الجامع الصحيح للبخاري وصحيح مسلم وغيرهما من كتب الصحاح 
فإن المتن أيضا له أمور ضابطة وإن لم يجمعها كتاب متفرد بل جاءت مفرقة في كتب أهل العلم من المحدثين (خاصة عند الحديث عن العلة القادحة والشذوذ) وكذا عند الفقهاء المحققين 
وقد جمع هذه الضوابط وذكرها الدكتور مصطفى السباعي في كتابه الجليل: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي , يقول :
أما المتن فقد تقدم لك ما يرشدك إلى القواعد التي وضعوها لنقده وأهمها:
---------------
1 - ألاَّ يكون ركيك اللفظ، بحيث لا يقوله بليغ أو فصيح.
2 - ألاَّ يكون مخالفاً لبدهيات العقول، بحيث لا يمكن تأويله.
3 - ألاَّ يخالف القواعد العامة في الحِكَمِ والأخلاق.
4 – ألاَّ يكون مخالفًا للحس والمشاهدة.
5 - ألاَّ يخالف البدهي في الطب والحكمة.
6 - ألاَّ يكون داعية إلى رذيلة تتبرأ منها الشرائع.
7 - ألاَّ يخالف العقول في أصول العقيدة من صفات الله ورسله.
8 - ألاَّ يكون مخالفاً لسنة الله في الكون والإنسان.
9 - ألاَّ يشتمل على سخافات يصان عنها العقلاء.
10 - ألاَّ يخالف القرآن أو مُحْكَمَ السُنَّةِ أو المجمع عليه أو المعلوم من الدين بالضرورة، بحيث لا يحتمل التأويل.
11 - ألاَّ يكون مخالفاً للحقائق التاريخية المعروفة عن عصر إلنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
12 - أن لا يوافق مذهب الراوي الداعية إلى مذهبه.
13 - ألاَّ يخبر عن أمر وقع بمشهد عظيم ثم ينفرد رَاوٍ وَاحِدٌ بروايته.
14 - ألاَّ يكون ناشئا عن باعث نفسي، حمل الراوي على روايته.
15 - ألاَّ يشتمل على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير.
---
على أن أهل الحديث وعامة تلاميذه لم يلتزموا كثيرا هذه الأمور الضابطة ربما لأنها تحتاج إلى فقيه يملك أدوات البحث والاستنباط والاجتهاد أكثر من محدث يملك قوة الحفظ أكثر من قوة الاستنباط 
كما راحوا يهاجمون كل فقيه أو مفكر يزج بنفسه في مجال نقد المتن وهذا خشية أن يزاحمهم أهل الفقة فيغلبونهم على علم الحديث فتقل مكانتهم (المحدثين) بين الناس ..
خاصة وأن كثير من المحدثين زجوا بأنفسهم في مجال الفقة رغم ضعف آلة الاجتهاد عندهم مكتفين بما صح عندهم من الحديث حتى ولو خالف الضوابط التي قبلها شراح الأحاديث وأهل الجرح والتعديل والتي استقر عليها الفقهاء أيضا 
فنجدهم يفتون برضاع الكبير وراحوا يؤيدون زميلهم " استاذ الحديث بجامعة الازهر " الذي أفتى بجواز رضاع الكبير (رغم أنه درس في الفقه ان كل رضاع لا ينبت به اللحم (بعد الفطام) لا يثبت به الحرمة !!
إذ أنهم المحدثين بدلا من أن يردوا زميلهم بأن هذا كان خاصا لا عاما تراهم يقفون معه في خندق واحد يدافعون عن رضاع الكبير ويجلسون الساعات في بيان هل الرضاع يكون بإلتقام الثدي أم في كأس !!
وأخيرا سأضع لكم رابط للشيخ صالح المنجد بعد اقراره بوجود علماء حديث كبار وجهوا النقد للبخاري وآخرهم الالباني .. تجده يلتمس لهم العذر ويرميهم بعدم المعرفة والخطأ !! .. اه ماهو كله إلا البخاري حتى لو كنت ابن حجر العسقلاني !! 
https://islamqa.info/ar/178907


مثال تطبيقي :
ابن حجر العسقلاني وحيرته في صحيح البخاري 
--------
الامام أحمد بن حجر العسقلاني هو أشهر من قام بشرح صحيح البخاري في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري 
وحين بلغ الحديث رقم 3326 الراوي أبو هريرة قال :
" ((خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا )) ، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك، فقال السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه: ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، (( فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن )) . " 
يقول ابن حجر شرحا وتعقيبا :
( ويشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه الترتيب السابق ولا شك أن عهدهم قديم وأن الزمان الذي بينهم وبين آدم دون الزمان الذي بينهم وبين أول هذه الأمة ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال ) فتح الباري ج 6 قوله باب خلق ادم وذريته 
أقول :
إن أقدم مومياء في التاريخ حسب وصفهم تم العثورعليها كانت لرجل الجليد وسموه أوتزي (3200 سنة قبل الميلاد).
وجدوه في جليد جبال الالب في إيطاليا وكان طوله يتراوح ما بين 160 : 165 سم 
وكذلك مومياوات الفراعنة من المصريين القدماء كانت أطوال البشر عادية كما نحن اليوم 
كل هذه أدلة حسية ومشاهدة على عدم وجود تناقص في أطوال البشر عبر الحقب الزمنية المتعاقبة !. 
ads