هل يمكن أن يوجد تواصل بين الله والمخلوقات؟

0

هل يجوز منه التواصل مع خلقه؟

 سؤال يطرح نفسه :

هل يمكن للخالق "الصانع" التواصل مع خلقه "صنعته"؟

اتصال الخالق بالمخلوقات

بالطبع يمكن للصانع أن يتواصل مع صنعته فهو الذي يعرف طريقة عملها، ويستطيع توجيهها عند حدوث خلل.. وهو الذي يصونها عند العطب. وهذا هو التواصل, فإذا وجدت من يدعي أنه صنع شيئا فقل له :

-  قم بتشغيله.

-  فإن رد : لا أقدر!

-  فقل له حسنا، لقد أصابه العطب أيضا فقم بصيانته!

-  فإن رد : لا أقدر!

دل ذلك على أنه لا توجد صلة ولا تواصل بين مدعي صناعة الشيء وبين الشيء المصنوع، الأمر الذي يجعلنا نشكك في أنه هو "صانع ذلك الشيء".

***

والخالق الأعظم ليس أقل من المصانع أو الشركات الكبرى, التي أوجدت فروعا لصيانة منتجاتها، ولم تترك ذلك للحرفيين المستقلين أو هواة تصليح الأشياء .. ليكونوا بذلك على تواصل دائم مع منتجهم، ومع عملائهم أيضًا.

***

إن كل شيء قابل للخلل في وظيفته، أو قابل للإنحراف عن أداء مهمته, يكون صانعه قادر على إعادته إلى هيئته،أو إعادة توجيهه إلى حالته الصحيحة لإداء مهمته..

فإذا كان تواصل الصانع مع صنعته حقيقة، فتواصل الخالق مع خلقه حقيقة، أو على الأقل هو ممكن عقلا وغير مستحيل..

***

فهل حدث التواصل فعلا بين الخالق والمخلوق؟

وما هي غاية التواصل؟

وهل يوجد دليل على حصوله؟!

دعونا نتفق أن كل صانع يختار الطريقة التي يتواصل بها مع صنعته، فمن يصنع تمثالا مثلا من الصلصال، ويريد أن يضع يده عليه، لاشك أنه سيختار الطريقة والكيفية والموضع من التمثال بحيث تناسب لمسة يده طبيعة التمثال، ولا تصيبه بضرر، لأنه أعلم بمواضع قوته وتحمله ومواضع ضعفه وعدم تحمله..

كذلك مثلا كل أم لديها الطريقة الملائمة لحمل ابنها بين ذراعيها، طريقة لا تلائم وضعها كأم بقدر ما تلائم الطبيعة الضعيفة للطفل ذاته، بحيث أنها إذا حملت طفلا آخر قد تحمله بطريقة أخرى..

فخالق "الإنسان" يتواصل مع الإنسان بالطريقة التي تلائمه ويستطيع تحملها..

ويتواصل مع غيره من المخلوقات, وكلٌ حسب طبيعته ..

***

فإن كان التواصل ممكن عقلا، فما هي غايته؟

عقلا.. إذا كانت غاية الصانع من التواصل مع صنعته هو التدخل النافع لصالح صنعته..

إذن يكون تواصل الخالق مع المخلوق غايته النفع لذلك المخلوق لا الإضرار به

فإذا طرق بابك رجال يخبرونك أنهم حضروا من أجل الصيانة الدورية لجهاز كذا الذي اشتريته، وبعدما قاموا بالعمل فيه وجدت الجهاز أصبح أسوء من ذي قبل، لاشك أن أول شيء سيخطر  إلى بالك ويصيح به لسانك: هؤلاء لا يمكن أن يكونوا تابعين للشركة الأم، إنهم نصابون يرتدون "الأفرول" الخاص بالشركة.

***

هل يوجد دليل على حصول التواصل بين الخالق والمخلوق؟

الجواب: ذكرنا أن التواصل ممكن في العقل وغير مستحيل الحدوث.. وبالتالي لنعلم إن كان حدث حقا أم لا فعلينا أن نستقرئ الواقع والتاريخ، بحثا عن تواصل مفهوم، أو يمكن فهمه..

إن حجرا يسقط من السماء قد يكون هو التواصل إن استطعنا فهم مغزاه والنفع الذي يباشره في حياة المخلوقات – ويعنينا هنا خاصة: الإنسان.

***

إن شفاء إنسان مريض بدون تدخل طبيب، يسمونه معجزة، ولكن ألا يمكن أن يكون ذلك حدث بواسطة خالق الإنسان؟!

بالطبع هو كذلك.

إنك مثلا إذا رأيت قطة مرسومة في لوحة بدون ذيل، ثم في مرة أخرى نظرت إلى اللوحة فوجدت لها ذيلا، ما أول شيء سيخطر على بالك؟

أن معجزة حدثت؟ أم أن الرسام قام بجعل ذيل لها؟

بالتأكيد ستفكر في أنه الرسام، لأن تلك لوحة مرسومة ولها رسام

كذلك الإنسان، إنه مخلوق، فإذا شفي من مرضه فجأة، فهذا لأن له خالقًا

***

إذن التواصل بإصلاح وصيانة الذات يحصل فعلا

فهل حصل صيانة في التوجيه عند فساد أفعال الإنسان؟

نقول :

إن شأن صورة هذا التدخل في صيانة أفعال الإنسان بالتوجيه أما يحدث قهرا، بأن يجد الإنسان أن هناك قوة ما هي التي تحركه وتدفعه للفعل دون إرادة منه!

وإما أن يتلقى أوامر  بالتوجيه السليم (أفعل, ولا تفعل) وعليه هو تنفيذها بإرادته.

وفي العقل.. إن كلا الأمرين أو الصورتين جائزتي الحدوث، لأننا نرى ذلك في الأشياء المصنوعة ممكنا وواقعا.

ولكن بالنسبة للإنسان، فلن نستطيع تقديم دليل مادي على تلك القوة التي حركته من الداخل قهرًا دون إرادته..

(رغم أننا رأينا كيف يستطيع إنسان بقواه العقلية الخارقة أن يسيطر على إنسان أخر ويدفعه لفعل ما دون إرادته مثل ما يتم عبر (التنويم المغناطيسي)، ولكن طبعا لا يمكننا تقديم دليل مادي ملموس على تلك القوة التي استخدمها الإنسان المنوم)

ولكن نستطيع تقديم دليل مادي على حدوث الصورة الأخرى وهي تلقيه توجيها من الخالق (أمرًا, أو نهيًا).

لأن ذلك التوجيه يتلقاه الإنسان بحاسة من حواسه كالسمع أو البصر

واختصارا لرحلة البحث:

فإن العقل يقول أن أبلغ السبل للتواصل مع الإنسان السميع البصير أن تتواصل معه بلغة الكلام (الوحي المسموع) أو المشاهدة (المعجزات المرئية).

ولقد رأينا وعلمنا أن بشرا ادعوا حصول ذلك، وأن الخالق تواصل معهم تواصلًا تم إداركه بحاسة من الحواس.

ولما كان التواصل جائز عقلا، فلا سبيل لتكذيب من يدعي لنا حدوث ذلك له من حيث المبدأ أي القبول العقلي.

ولكن لمعرفة إن كان هذا التواصل حقيقي أم أوهام مرضية، نقول له حسنا هذا جائز ولكن..

اثبت لنا قبل ذلك أمرين مهمين :

الأول: أن الذي تواصل معك حي، عليم، قدير، سميع، بصير.. إلخ من الصفات التي علمنا أنها يجب أن تكون في الخالق، بالإضافة إلى كونه غير مرئي لأنه ليس بمادة ولا جسم ولا يجوز له الحلول في مادة أو جسم.

فلا يقول لنا أحدهم لقد سمعت الله يناديني أن أُحضر له كوب ماء كي يشرب!!

أو يقول رأيت الله واقفا أمامي ويقول لي كذا!!

لأن هذه أفعال لا تجوز في الخالق، لأنها تعبر عن احتياج، وحلول، وكلاهما باطل لا يجوز..

الثاني: أن يكون هذا التواصل "نافع" وصالح للإنسان ,لأن الخالق لن يأمر مخلوقه بفساد أو ضرر.

مثال:

وقف أحدهم وصاح :

الأستاذ محمد الطويل، معلم الفصل يطلب منكم عمل الواجب المدرسي..

فعلق عليه أحد التلاميذ قائلا  :

-          ليس عندنا معلم فصل اسمه: محمد وصفته طويل! إنك مريض متوهم سواء كنت ما تطلبه لنا نافع أو غير نافع.

مثال ثان: صاح أحد ثان قائلا :

-          الأستاذ محمد القصير معلم الفصل، يطلب منكم تمزيق كتبكم المدرسية

فرد أحد التلاميذ :

-          صحيح أن معلم الفصل اسمه محمد وأن صفته قصير كما ذكرت....

ولكن يستحيل أن يطلب منا تمزيق الكتب المدرسية، إنه لن يطلب منا فعل ضار وفاسد مثل هذا الفعل!!

مثال أخير :

صاح آخر هذه المرة وقال :

-          الأستاذ محمد القصير معلم الفصل، يطلب منكم استذكار دروسكم جيدا وعدم إضاعة الوقت.

هنا يكون الخبر قد صادف الحقيقة، ولا مجال للاتهام.

***

فمن يدعي أن الخالق "الله" تواصل معه، نقول نعم هذا جائز في العقل، ولكن حتى نصدق أن هذا حصل في الواقع أخبرنا عن شيئين :

أولاً: ما هي صفة إلهك؟!

ثانيا: الذي أخبرك به وطلبه منك هل هو نافع أم فاسد؟!

إن كان إلهك متجسمًا، فهو ليس الله على أية حال.

وإن كان الذي يطلبه فاسدًا، فالله لا يأمر بالفساد  على أية حال.


ads

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)