ما الدليل على أن الكتب السماوية من عند الله؟

0

 قلنا في مقالاتنا السابقة  أن تدخل الخالق سبحانه وتعالى في حياة الخلق تدخلا إصلاحيا نافعا.

من هنا يجب أن تكون الرسالة الإلهية رسالة إصلاحية؛ لأن الله لا يتدخل بالفساد ولا يأمر بالفساد.

سؤال


ويجب أن تكون موائمة لحال المجتمع، وحال الأشخاص المخاطبين بهذه الرسالة، فتعالج عيوبهم وتردهم عنها، لا أن تزيد في هذه العيوب..

فإذا رأينا رسالة منسوبة إلى الخالق؛ تأمر بالفحشاء، فيجب أن نردها على صاحبها، ونكذبه ونكذب بها، فالله لا يأمر بالفحشاء..

وقبل كل هذا يجب أن تكون صادرة عن إله بحق، والإله لا يكون إلها بحق إلا إذا كان متنزهًا عن كل عيب ونقيصة، أو وصف أو فعل غير مقبول ولا جائز في العقل، لأن العقل هو الحجة على سلامة الإيمان.

وهذا شيء حرص عليه دين الإسلام مثلا حين جاء فيه:

﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْأن وَلَوْ كَأن مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ الآية 82 سورة النساء

ولم يكن هناك قرآن سابق أو كتاب سابق لدى العرب يقيسون عليه، ولكن لديهم عقل يدرك النواقص والعيوب.

***

ولأن هذا الكتاب لم يُقصد به أن يكون موسوعة للأديان، فسوف أقتصر فيه على نظرة على الأديان السماوية حسب ادعائها لنطبق عليها ما توصلنا إليه من بديهيات عقلية توصلنا إليها في رحلتنا البحثية عن الخالق وصفاته وكلامه.

***

(من الأن لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله ومع الناس وقدرت) سفر التكوين 32 :28

النص السابق من العهد القديم للديانة اليهودية، وهي ديانة سماوية الأصل كما يعلم الجميع..

ولكن نحن لا نحتاج إلى وحي من السماء ليخبرنا أن هذا النص يستحيل أن يكون صادرا من السماء، لأنه يصور الإنسان "إسرائيل" يصارع الله ويغلبه!!

أيضا النص التالي:

(فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الارض، وتأسف في قلبه) التكوين 6:6

في هذا النص لم يستوقفني –شخصيا – أن يكون الإله له شعور، يحزن، يفرح, يغضب، يرضى، بقدر ما استوقفني أنه "تأسف" أي ندم، والندم لا يكون إلا على الأخطاء.. فهل تظنون أن إلها حقيقيا يخطئ؟!!

إنني لست في حاجة لانتظار وحي آخر يأتي بعد ألف أو ألفين أو ثلاثة آلاف عام، أو حتى لا يأتي.. كي أوقن أن ذلك النص ليس صادرا عن إله حقيقي!

***

(المسيح نظر إلى شجرة تين من بعيد عليها ورق وجاء لعله يجد فيها شيئا فلما جاء إليها لم يجد شيئا لأنه لم يكن وقت التين) إنجيل مرقص12:13

فهل الله يجهل وقت التين؟

هل الله يتجسد؟!

هل الله ينقسم أو يتكاثر فيكون له ولد؟!

أمور لا تحتاج إلى انتظار وحي كي لا يقبلها العقل، وإذا كانت رسالة ما، فشلت في إثبات مصدرها "أنها من عند الله" فلا جناح عليَ إن إلتفتُ عن مضمونها, أوامرها ونواهيها, بغض النظر عن نفعها أو ضررها!

وهل يُلام الإنسان إن رفض نصائح فني إصلاح تلفزيونات، لأنه لا ينتسب إلى الشركة الأم التي قامت بتصنيع جهازه؟!

كذلك أنا..

***

ولا يتبقى من الرسالات السماوية معنا غير.. الإسلام:

﴿قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوًا أحد﴾ سورة الإخلاص

العقيدة الإسلامية في الخالق سبحانه كما نعلم، تنزه الله عن الشبيه والمثيل، وهذا يصادف بديهية أن الله ليس بمادة ولا جسم كما نعرف من المواد والأجسام.

كما أنه قوي لا يغلبه أحد، قادر, عليم, حكيم, خبير, أول, آخر, حي بذاته لا يموت، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.

إنه الله الخالق الذي توصلنا لمعرفة صفاته بالعقل نجده هو ذاته في الإسلام، ولا أظن أحدًا أيًا كان يستطيع التشكيك في ذلك!

هو الخالق إذن، هو الإله الحقيقي إذن.. دون تعاطف أو انحياز.

***

ولكن.. قد يستوقفنا أحد الناس ويقول :

قبل أن تقول انتهينا من التحقق من توافر الأمر الأول وهو صفات الإله، ومن ثم تنتقل إلى مضمون الرسالة, فإننا نجد من صفات الإله في الإسلام "المنتقم"!

كما أننا وإن وجدنا من أسمائه الحسنى "النافع"، فإن من أسمائه الحسنى في الإسلام أيضا نجد "الضار"، وقلت أن الإله لا يأمر بالفساد أو بما يضر؟

كما أنه أيضًا يحب،ويكره، يرضى، ويسخط ويغضب

فهل هذه صفات توافق العقل عندك أم لا؟!

الجواب:

حسنا.. في الإسلام يقولون الله منتقم، يحب، يكره، يغضب، ومن أسمائه "الضار" كما ذكرت..

فهيا نفتش عن معنى ذلك عند أهل الإسلام..

***

يا أهل الإسلام، ماذا يعني عندكم أن الله منتقم؟

يقول أهل الإسلام : إن الله ينتقم من الظالم لصالح المظلوم. كإنتقام الدولة من المجرمين لصالح المجني عليهم مثلا

والعقل يقول : إن الانتقام من أهل الإجرام يعني إقامة العدل

إذن الانتقام هنا = تحقيق العدل.

بالتالي يكون: منتقم = عادل، والعقل يؤمن أن الإله عادل.

ومن ثم يكون الانتقام هنا ليس عيبا ولا نقيصة.. 

أنه لا ينتقم لنفسه لأنه لا أحد يمكنه أن ينال من الله بضرر , فهو هنا سبحانه منتقم للغير وهم الأبرياء , من الغير الآخر من ذوي الإجرام.

***

يا أهل الإسلام، ماذا يعني عندكم أن الله يحب ويكره ويغضب؟!!

يقول أهل الإسلام: إن الله يحب فعل الخيرات ويرضاه، ويكره فعل الفواحش ويسخطه، ويغضب إذا انتُهكت الحقوق ووقعت المظالم.

والعقل يقول : إن هذا الإقتران بين فعل الطاعة وحصول الرضا , وبين فعل المعصية وحصول الغضب , هو من قبيل إقتران الفعل بالجزاء فالرضا والغضب , ثواب وعقاب

والحب والكره , ثواب وعقاب

والثواب والعقاب من مقتضيات صفة العدل , التي تقتضي عدم التسوية بين متضادين

ولكن تقع الشبهة في عقول المستمعين عند سماع كلام القرآن الكريم وهو يتحدث عن محبة الله وكراهيته ويظن أنه إله ذو مزاج ,وبالتالي يخضع لمؤثر العاطفة , وهذا خطأ , في نظرنا ..

وانما جاء التنويع في التعبير عن الثواب والعقاب بألفاظ مختلفة لمناسبة حال المستمع , فهناك من يرى في الغضب عذابًا أقوى من عذاب النار  , وهناك من يرى في الرضا نعيمًا يفوق نعيم جنة الخلد

***

يا أهل الإسلام، ماذا يعني عندكم أن الله هو "الضار"؟

يقول أهل الإسلام : أي الذي يملك منع الضُر، لمن أراد له نفعا، فإذا منع ضُرا, لم يقدر أن يغلبه عليه أحد.

والعقل يقول : من يملك منع شيء، صار هذا الشيء خاضعا له.

فإذا كان حتى الضرر خاضعا لله، فلا قوة لأحد إذن فوق قوة الله، وليس ذلك عيبا ولا نقيصة أن تغلب قوته قوة أهل الضُر، فيكون مقاليد كل أمر في الدنيا بيده وخاضعا له..وهذا هو الإله الحق لا يقدر عليه أحد وهو يقدر على كل أحد.

***

إذن ليس في "الإله" الذي يقدمه لنا الإسلام أي عيب أو نقيصة.

وهذا ينقلنا إلى المبحث التالي وهو مضمون الرسالة , والتي نجدها اشتملت على :

-          الدعوة إلى معرفة الله وتوحيده وطاعته.

-          الاعتبار بقصص الأمم السابقة.

-          الحض على مكارم الأخلاق وما يتعلق به من أوامر، واجتناب الفواحش والاثم ما ظهر منه وما بطن، وما يتعلق به من نواهي وزواجر.

وهي عناوين لموضوعات نافعة وصالحة في مجملها.

والآن نحاول أن نلقي مزيدا من الضوء على تلك الرسالة في الصفحات التالية..

ads

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)